تعاني كلا من كندا وألمانيا نقصا في عدد الأطباء لأسباب وظروف مختلفة. يحاول هذا المقال المقارنة بين تعامل الحكومتين مع المشكلة ومعالجة أسبابها. تجدر الاشارة الي أن مصدر الجزء الخاص بألمانيا في المقال هو موقع دويتش فيلة.
الوضع في كندا
في العام الماضي أطلقت الجمعية الطبية الكندية حملة دعائية للفت النظر إلى أن ما يقرب من خمسة ملايين كندي ليس لديهم طبيب للعائلة وأن البلاد سوف تحتاج 26،000 طبيب اضافي لتلبية نسبة الأطباء التي تفرضها OECD لكل أسرة.
وفي نفس الوقت يفد الي كندا سنوياأعداد كبيرة من الأطباء المدربين في الخارج الذين انتقلواللحياة في كندا بشكل دائم ولكن لا يمكنهم العثور على فرص تدريبية في المستشفيات التعليمية لمنحهم الاعتماد الذي يؤهلهم لممارسة المهنة.
وتوضح احصائيات من العام 2012 ان 20٪ فقط من عدد 1،486 طبيب كندي حاصل علي التعليم خارج كندا أو مقيم دائم قد استطاعو الحصول علي فرص تدريبية في المستشفيات التعليمية في كندا. وهذا يعني أن 1،188 ممن اجتازوا امتحانات الترخيص لم يستطيعو الحصول علي تدريب يؤهلهم ليصبحو أطباء عائلة. وتدعي المستشفيات أن السبب هو نقص في عدد الأطباء القدامي القادرين علي منح الأطباء الجدد التدريب الازم.
ولكن هنا تأتي مفاجأة حقيقية: ففي حين أن المستشفيات الجامعية ترفض تدريب الأطباء المقيمن في كندا، فقد تم قبول متدربين من دول أجنبية بأعداد قياسية – كل منهم يأتي إلى هنا على حساب حكومته ومن ثم يعود إلى وطنه بعد أن يحصل علي تدريب كامل. فقد ارتفعت أعداد الأطباء الأجانب المتدربين في كندا الي إلى 2،082 طبيب في عام 2006-07، من أصل 937 طبيب قبل عقد من الزمن، وفقا لأحصائيات سجل Canadian post-MD Education Registry. ويكمن السبب في قبول هذه الأرقام في أن الحكومات الأجنبية (وخاصة من الشرق الأوسط) تدفع رسوما تصل الي 25،000 دولار سنويا (في أونتاريو علي سبيل المثال) للمستشفيات. وبالإضافة إلى ذلك، تدفع الحكومة الأجنبية للطبيب راتبا يتراوح بين 47،000-81،000 دولار وحزمة فوائد تصل الي حوالي 12٪ من الراتب. وهكذا بمصاريف تصل الي 115،000 دولار سنويا،تضمن الحكومة الأجنبية طبيب مؤهل يعود الي وطنه في غضون خمس سنوات.
علي الجانب الأخر أشارت كلية الطب بجامعة أوتاوا بعد عناء الي أن نظام القبول في الكلية يعطي الأولوية لخريجي المدارس الطبية الكندية, ثم للمتعلمين خارج كندا والذين قد يقيمون في كندا بشكل دائم وأخيرا للمتدربين الأجانب. ولكن الواقع يشير الي خلاف ذلك وحالة جوشوا ثامبراج هي خير مثال علي ذلك. فقد تخرج جوشوا عام 1978 وكان طبيب مقيم لمدة ستة سنوات في جراحة العظام، آخر اثنين منهما في جامعة برمنجهام في انكلترا وحصل علي خبرة 20 عاما في مجال استبدال المفاصل. وبعد القراءة عن نقص الأطباء في كندا، قرر مواصلة مهنته هنا.واجتاز أربعة مجموعات من الامتحانات، بما في ذلك تقييم مهاراته الجراحية. ومع ذلك، لم يستطع في النهاية ايجاد أي فرصة في التدريب. علي الجانب الأخر هناك صف انتظار طويل لجراحات استبدال مفاصل الركبة والحوض في كندا. ويشعر جوشوا الأن بالعجز أمام عدم قدرته علي المساهمة في تخفيف ألام المرضي.
ولكن جوشوا محظوظ نسبيا فهو قادر علي السفر ثلاثة مرات سنويا لبلدان في أسيا وأفريقيا لاجراء الجراحات بفضل رخصته المعترف بها من جامعة برمنجهام. أما الأطباء الأقل حظا فهم يعملون سائقي لسيارات الأجرة أو كمساعدي الأطباء. يثير هذا الوضع يثير حنق جولي توب، وهو محام هجرة في أوتاوا علق علي المشكلة قائلا “كان من الممكن أن تحصل كندا علي الأقل علي الف طبيب إضافي سنويا، إن لم تكن مناصب الأطباء المقيمين تباع إلى الشرق الأوسط لتدريب أطباء أخرين من غير الكنديين والمهاجرين والذين يتركو كندا بعد تدريبهم”.
–
الوضع في ألمانيا
هناك نقص كبير في عدد الأطباء بالمستشفيات الألمانية. ويهاجرعدد كبير من الأطباء الألمان إلى دول أوروبية أخرى، حيث مستوى الرواتب أعلى كما إن عدد الأماكن المخصصة لدراسة الطب بالجامعات الألمانية محدود. وفي هذا السياق تحدثت إحصائيات عن آلاف الأطباء الذين يهاجرون سنويا للعمل في دول أوروبية، بسبب عدم رضاهم عن الرواتب المتدنية، خصوصا بالنظر إلى فترات عملهم الطويلة حتى ساعات متأخرة من الليل أو في أيام العطل الأسبوعية. وقد قامت الدولة الألمانية مؤخرا برفع مستوى أجورهم بستوى 500 يورو معفاة من الضرائب. ووفق تقرير لنقابة الأطباء الألمانية فإن كليات الطب لا تمنح لطلاب شعبة الطب اكثر من 10 ألاف مكان دراسة في العام، يتخرج منهم حوالي 9 آلاف طبيب سنويا، وقد يصل العجز في هذا القطاع حتى عام 2019 إلى 37 ألف طبيب.
هذا وتحاول المستشفيات الألمانية سد العجز في عدد أطبائها من خلال فتح المجال للأطباء الأجانب من كل مناطق العالم للعمل فيها. غير أن ذلك رهن بضرورة إتقان اللغة الألمانية والوفاء بالشروط المعتمدة في ألمانيا لممارسة هذه المهنة. وفي ميونيخ أدرك الطبيب المصري الأصل خالد واصف والمقيم في ألمانيا منذ ثلاثين عاما، نقاط الضعف التي تحول دون التحاق الأطباء العرب بسوق العمل الألمانية، فحول عيادته في ميونيخ إلى مركز لتدريب الأطباء الراغبين في العمل في ألمانيا عن طريق تنظيم دورات مكثفة لهم، تمكنهم من اجتياز الحاجز اللغوي وإتقان الصطلحات الطبية المستخدمة باللغة الألمانية، حيث إن مثل تلك الصعوبات تشكل عائقا كبيرا في التواصل بين الأطباء الأجانب والمرضى في ألمانيا .
وحسب الدكتور واصف فقد انطلقت فكرة إنشاء المركز بعد أن تلقى عدة اتصالات تليفونية من أطباء عرب حديثي العهد بالعمل في ألمانيا، أعربوا فيها عن الصعوبات التي تواجههم في عملهم بسبب عدم إتقانهم للغة الألمانية. ومن هنا جاءت ترجمة فكرة مشروع المركز على أرض الواقع . تضم كل دورة 10 أطباء عرب ،وتستمر لمدة ثلاثة أشهر ،ويشترط فيها أن يكون الطبيب حديث العهد بالتخرج ويمارس الطب العام أو أن يكون متخصصاً في الأمراض الباطنية.، تبدأ الدورة المكثفة من الساعة الثامنة والنصف صباحا وحتي الرابعة بعد الظهر، عدا يوم الأحد. ويتدرب الأطباء يوميا تحت اشراف الدكتور واصف ومساعدين عرب وألمان على كل ما قد يحتاجون إليه من معرفة في العيادات والمستشفيات الألمانية، خاصة الاستخدامات اللغوية الطبية. ويعتمد التدريب علي أمثلة من خلال مقاطع الفيديو التي تشمل حوارات بشأن أنواع الأمراض وكيفية شكوى المريض منها وطرق تشخيصها والحديث عنها مع المريض باللغة الألمانية. ويشير الدكتور واصف أن الأطباء يتدربون أيضا على كيفية كتابة التقارير الطبية باللغة الألمانية .
<
p style=”direction: rtl;”> بعد انتهاء الدورة، يتم اختبار الأطباء من قبل جهات ألمانية رسمية. ويكون الاختبار شفويا في مجالات الجراحة والأمراض الداخيلية وفي طب الطوارئ إلى غير ذلك. وعلى أساس ذلك يحصل الطبيب على تصريح بمزاولة المهنة. وعندئذ يقوم المركز بمساعدته في الاتصال بالمستشفيات الألمانية التي ترغب في تعين أطباء جدد.
تعليق 1