تجارب ناجحة من كندا وأوروبا حول دور الكنائس في دعم اللاجئين

اللجوء الكنسي، أو اللجوء الى دور الكنائس حل لا يلجأ له إلا من أوصدت في وجهه كل الأبواب التي تضمن له عدم الترحيل من ألمانيا. اللاجئ السوري الشاب محمد، واحد من هؤلاء، الذين استقبلتهم الكنيسة ووفرت لهم حماية مؤقتة. في هذا التقرير نتعرف على تاريخ اللجوء الكنسي وكيفية تدبيره في ألمانيا انطلاقا من قصة محمد.

محمد، مواطن  من بين ما يزيد عن 2000 شخص حاصلون على اللجوء الكنسي في ألمانيا، شاب سوري يبلغ من العمر 20 عامًا، هرب من الحرب في بلاده نحو أوروبا، لكنه لم يجد حلا غير اللجوء الكنسي في مدينة بون غربي ألمانيا، لتفادي الترحيل.

في تقرير حول قصته نشرته وكالة الأنباء الكاثوليكية، تظهر ملامح نفسية تعاني الخوف والتوتر، إذ أن محمد حريص على إبقاء الستائر مغلقة دائمًا ولا يغادر الكنيسة إلا في حالات نادرة، إما لأجل شراء مستلزمات من محل قريب أو لحضور فعاليات الكنيسة برفقة بعض المتطوعين.

ينحدر محمد من حمص غربي سوريا، وهي مدينة دمرتها الحرب، وقضت على مؤهلات الحياة فيها. غادرها محمد برفقة والديه وإخوته الأربعة إلى تركيا قبل نحو سبع سنوات، لكن ظروف الحياة قي تركيا خلال السنوات الأخيرة لم تعد توفر للكثير من السوريين اللاجئين الأمان، بسبب ما يتعرضون له من عنصرية.

اللجوء الكنسي.. خوفا من الإعادة إلى سوريا!

ما كان لأسرة محمد، إلا أن تدفع ابنها لمحاولة الوصول إلى أوروبا خوفا عليه وباقي أفراد الأسرة من الترحيل عاجلا أو آجلا إلى سوريا، وهو ما نفذه الشاب، ليصل بعد رحلة دامت عشرة أشهر إلى ألمانيا.

تترجم بيزا ميسر، وهي موظفة لدى منظمة كاريتاس، ما يحكيه محمد متحدثا بلغة تركية لطاقم وكالة الأنباء الكاثوليكية، إذ قال “كانت هناك أيام شعرت فيها بالوحدة الشديدة والقلق، لم تكن لدي شهية للطعام، وكنت لا أسعد إلا بزيارة ميسر وأصدقاء آخرين”. هؤلاء الأصدقاء الذين أحاطوا بمحمد، كانوا في الغالب متطوعون يعملون على تقديم الدعم النفسي للاجئين.

الكنيسة المتواجدة في مدينة بون، والتي وفرت اللجوء لمحمد، هي واحدة من بين 500 كنيسة في ألمانيا تقدم خدمة اللجوء الكنسي الإنسانية. لا تتوفر أرقام دقيقة حول عدد المستفيدين منه، لكن المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين سجل العام الماضي 2065 حالة لجوء داخل كنيسة في البلد.

تفتح بعض الكنائس أبوابها لطالبي لجوء كثر في الوقت نفسه، بينما تختار أخرى أن تقدمه لشخص واحد فقط. منجهة أخرى، الكثير من القساوسة يتجنبون توفير اللجوء الكنسي لطالبيه، بسبب الخوف من التعرض للمساءلة القانونية، خاصة بعدما تزايدت التقارير الإعلامية حول عمليات إخلاء الكنائس من طالبي اللجوء باستخدام القوة والعنف من قبل السلطات.

الوصول لبر الأمان!

قبل أن يصل المواطن  محمد لمرحلة طلب اللجوء الكنسي، كان يعيش في مركز استقبال أولي في مدينة بون، وكان من المقرر أن يتم ترحيله عبر كرواتيا إلى سوريا، ضمن عملية ترحيل متسلسل. لكن بيزا ميسر، التي تقدم المشورة للاجئين وطالبي اللجوء في كاريتاس، أحالته على اللجوء الكنسي. تقول ميسر “لقد كان بمثابة سباق مع الزمن، وأنا سعيدة جدًا لأننا نجحنا في ذلك”.

حصل محمد الآن على تصريح إقامة في ألمانيا، بعد أن عاش بضعة أسابيع فقط كمستفيد من اللجوء الكنسي، وما يزال الشاب في تواصل مستمر مع المتطوعين في الكنيسة.

يتعلم الشاب السوري حالياً اللغة الألمانية والطبخ، وهو منشغل في هذه الفترة بمواعيد إدارية وإعداد وثائق كثيرة، كما أنه تمكن من ضمان مقعد له بين زملاء آخرين للاستفادة من دورة الاندماج. الذهاب للمدرسة من جديد أمر غريب بالنسبة لمحمد، فقد كانت آخر مرة يجلس فيها بين الطلاب في فصل دراسي منذ 13 عامًا ولم تستمر تلك التجربة سوى لعام واحد فقط.

لكن الشاب السوري يعرف بعض الكلمات بالألمانية ويفهم أكثر باستخدام الإشارات، كما تساعده الترجمة عبر الإنترنت في التواصل. يأمل محمد مستقبلا في الحصول على فرصة تدريب مهني، ليعتمد على نفسه ويضمن مستقبلا أفضل اعتمادا على نفسه.

ميسر متأكدة بأن “محمد بفضل شخصيته القوية، سيشق طريقه في ألمانيا بنجاح”، إذ أشادت بمدى انفتاح الشاب العشريني قائلة “لديه شخصية تجعل التعامل معه سهلًا للغاية. سوف ينجح هنا في ألمانيا”. كما أن كلتا السيدتين ممن كانتا على تواصل مع محمد، أبرزتا إعجابا كبيرا بمدى الثقة والطمأنينة التي يستمدها الشاب من الإيمان. يقول محمد “كنت متأكدًا بأن الله لن يتركني وحيدًا”.

تاريخ اللجوء الكنسي في ألمانيا!

اللجوء الكنسي، الذي تقوم خلاله أطقم الكنائس بلم طالبي اللجوء بشكلا مؤقتًا لمنع ترحيلهم إلى وطنهم أو إعادتهم إلى بلد آخر وفقًا لإجراءات دبلن، عادةً ما يُمنح عندما يشكل الترحيل أو الإعادة خطرًا على حياة أو سلامة اللاجئ، خاصة في ظل وجود أمل كبير في قانونية وإمكانية بقائهم.

منذ القرن الرابع الميلادي، كان اللاجئون يلتمسون الحماية في الكنائس. لكن مع تطور الأنظمة القانونية، فقد اللجوء الكنسي أهميته وتم إلغاؤه في معظم البلدان خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووفقًا للقانون الكنسي الكاثوليكي لعام 1983، لم يعد هناك لجوء كنسي رسمي في الكنيسة الكاثوليكية.

من يوفّرون اللجوء الكنسي اليوم في ألمانيا من قساوسة يُعتبرون مخالفين للقانون. والعديد من طالبي الحماية غالبا ما تنطبق عليهم قواعد اتفاقية دبلن، إذمن المفترض أن تتم إعادتهم إلى أول دولة من دول الاتحاد الأوروبي دخلوها ليحصلوا على اللجوء هنا. لكن في حال بقي اللاجئ في ألمانيا متجاوزا الفترة القانونية لنقله، تصبح ألمانيا مسؤولة عن طلب لجوئه.

أصبح اللجوء الكنسي سبب نزاع كبير بين السلطات والكنائس في ألمانيا، فالتوجيهات الصادرة عن الأساقفة الكاثوليك تصفه على أنه “الملاذ الأخير” للكثير من طالبي اللجوء اليائسين.

عام 2015، اتفقت الكنائس والمكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين (Bamf) على شكل جديد من التعاون بخصوص طالبي اللجوء الكنسي. وقد سجل المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين العام الماضي 2065 حالة لجوء كنسي في ألمانيا، حوالي ثلث هذا العدد من الحالات تم تسجيلها في ولاية شمال الراين ويستفاليا، تليها بافاريا وهيسن.

حسب تقرير وكالة الأنباء الكاثوليكية، فأن معظم الأشخاص المستفيدين من اللجوء الكنسي في السنوات الأخيرة كانوا من جنسية سورية أو أفغانية، وكثير منهم ينحدرون من إيران أو العراق. كما يتم تسجيل تزايد في الطلبات المقدمة من الأتراك والروس.

اللاجئون يتحدثون عن دور الكنيسة